نشرت تحت تصنيف شطرٌ وقافية

عيناكَ

إلى ضوءِ عينيهِ الآسِر، وابتسامته التي، ما فتئت تسحرني في كلّ مرّة!

عيناكَ بحرٌ لا امتداد لشطّهِ

والمدُّ في أمواجِ عينكَ يُغرِقُ

والرمشُ أسدل سحرَه من نظرةٍ

من بعدِ سحرك هل تراني أعشقُ؟

في الحُبَّ كيمياءٌ إذا أوصدتها

أشرعتَ قلبًا للحنينِ .. يُمزَّقُ

خُذني إليكَ فإنّ قلبي مُتعب

لن ينقِذَ القلبَ المُتيمَ زورقُ

دع عنكَ تفسيرَ الهوى، تأويلهُ

سيموتُ بالتأويلِ ما قد تنطقُ

عبثًا تجاهدُ أن تُمنطِقَ صُدفةً

تغتالهُ الخيباتُ مَن يتمنطقُ

قل لي من الأشعارِ بيتًا واحدًا

فالشّعر في لغةِ المحبّةِ أصدقُ

وتموسقت بالحُبِّ كُلُّ حياتنا

ما أعذب الحيٰوات إذ تتموسقُ!

نشرت تحت تصنيف يوميات

الحُبّ الإلهي – يوميات

من نافذة الغرفة المطلّة على المنارة، والجبل، والفلج، والحقول المحتشدة بالنخيل، تقف الصبية القروية الحالمة، تتأمل المشهد بهدوء، وتنغمس في جَمالِ اللوحة الكونيّة البديعة، وتراقبُ بسكونٍ تام، محاوِلة الوصول إلى مكانٍ أبعد من القرية. لعالمٍ آخر، تتخطى فيه فكرة الإنسان معنى الطين، بل فكرة أعمق، خارج المنطق، وداخل الجوهر، الجوهر الإلهي الملغّز، الذي يدور حول الرّوح، والحَياة، والموت.

مررتُ قبل عدّة أيّام على المقبرة، وقد آل بي المشي نحو التساؤل حيال سبب خلقي، والذي تفكّك لاحقًا إلى تساؤلات لا نهائية، قلّما تفضي إلى إجابات حقيقية ومقنعة. والسلوى أنّنا جميعًا نتشاطر هذه التساؤلات، ونسعى لإذابة الألغاز الحياتيّة وتقشيرها، للوصول لبذرة المعنى الحقيقي. وكلٌّ منّا يصل إليه بطريقةٍ ما، تختلف عن الآخر، محاولين بذلك الوصول إلى الله.

أجزمت سابقا على أنّ الحياة ليست سوى رحلة. تحمل مفاهيمًا ومعانٍ نسبية، تختلف من كائن لآخر. لكنّها في نهاية المطاف تتمحور حول سؤال وحيد: “كيف نصل إلى الله؟”
هل ثمّة طريقٌ آخر ممهد بالورد والضّوء غير طريق الحُبّ الخالص والمطلق ليصلَ المُحب الصادق إلى محبوبه؟ هكذا بكلّ بساطة، الحبّ هو الجوهر، هو السّر، هو البذرة، وهو البوصلة للوصول إلى الخالق. الحبّ الذي يتجلّى كالماءِ العذب؛ ليخلق الأشياء من عدم، والحبّ أيضًا يخلقُ الجمال والدهشة من عدم.

إنّ الحَياةَ كلّها لا تحتاج إلى شيء خارق، أو معجزة، أو تعويذة، فالحُبّ إن توافق مع نيّة نقيّة وخطواتٍ روحانيّة صادقة، يغدو معجزة، تمنحنا الوفرة، والسّعة، والبركة، والنقاء، والسّلام، والرضا. هو المعجزة التي تبدّد القلق، والخوف، وتولّد التفاني في الرّجاء والتضرع والتسليم الكامل لله. أن نُحبّ الله، ثمّ الطريق، والمشقّة، والسعي، وأرواحنا والنّاس، والكون، والوجود كاملًا، يعني أن نخلق معنًى عظيمًا لحيواتنا! وهل ثمّة شيء يستحق أن يكابد المرءُ لأجله في هذه الحَياة أعظم من الحُبّ الإلهي الذي يسمو بالقلب، ويعلو به إلى بساتين مورقة بدهشةٍ خضراء؟

لم أكن لأصل إلى هذا الحُبّ بالفضيلة المُطلقة، والكمال. لم أطلب من الله أن يصيّرني كائنًا مثاليًا. كنتُ أخطو وأجرّ مساوئي في كلّ خطوة، ولكن شعور الحُبّ لم يكف لحظة عن التكاثر، وفي تلك اللحظة أدركت أنّنا كلما أحببنا الله، أحبّتنا الحياةُ أكثر، وشرعت أمامنا أبواب المستحيلات؛ لتصيّرها إلى آفاق ممكنة الولوج، نذرع فيها بكلّ خفّة وسكينة وأمان.

نشرت تحت تصنيف شطرٌ وقافية

أفعالُ حُبٍّ مَجازيّة

خَفيفًا عَليَّ تمرُّ

فيهجُر نبضي “مُرُّ”

تمدُّ لعُمري ضوءًا

وضَوْءكَ ما لَهُ عُمرُ

تشدُّ بروحكَ روحي

وفي الشدِّ آيٌ وسِرُّ

وطيفُك دثّر ليلي

ففي الطيفِ يسكنُ فروُ

بصوتِكَ شذّبتَ حقلي

ليورقَ عُشبٌ وزهرُ

وينمو بضفةِ حِبري

ضياءٌ رقيقٌ وشِعرُ

فأقطفُ شِعري لعينِكْ

وعينك نحوي تفرُّ

نشرت تحت تصنيف شطرٌ وقافية

ما الموت .. ما تأويله؟

مَن فكّكَ

المعنى الملغّز للمنايا

ثمّ قالْ:

أنّ المنايا

سوف تعلو بالفؤادِ إلى السّما؟

أو رحلة منها سنصعدُ

كيْ نجاورَ أنجما؟

في الموتِ ألفُ تساؤلٍ

ومتاهة تفضي إلى

خطِّ البدايةِ

والبداية روحنا.

فمتى يكفُّ المرءُ

أفواهَ ال (لماذا)

وال (متى) وال (كيفَ)

وال (ماذا) التي في الدمِ تجري

ثمّ تسقي القلبَ كأسًا علقما!

هذي الفجيعةُ

كالضبابِ شفيفة

الآن (ضوءًا ساطعًا) فيها نرى

لكنّنا عقب السطوع سننعمي

كيْ لا نرى إلّا فضاءً معتما.

نشرت تحت تصنيف شطرٌ وقافية

حُ بّ

وشاء اللهُ إهدائي نعيما

فؤادًا بالمحبّةِ يحتويني

فسخّر قلبَهُ نورًا لقلبي

ملاكًا، ثمّ شكّلهُ بطينِ

هداني يُونُسًا حبًا حلالًا

لأسكنَ روحَهُ وتقِرّ عيني

قبلتُ هديةَ المولىٰ بحُبٍّ

فقد أضفى سِنينًا في سنينًا!

نشرت تحت تصنيف شطرٌ وقافية

ولتُصنعنّ

ألقى عليكَ

اللهُ منه محبّةً

تغنيكَ عن

حبِّ الخلائق كُلّهم

حبٌّ تجلّى

في الحياةِ كنجمةٍ

مُذ كان قلبُكَ

في فضاءٍ مُدلهِم

فامدُد إلى مولاكَ

حبلًا عاشقا

لِيشدَّ أزرَ العاشقينَ بحبلِهم

ولتُصنعنّ غدًا

على عينِ الذي

فردوسَ يشرعُ

للتُّقاةِ وأهلهم

نشرت تحت تصنيف رسائل

رسالة إلى غ

العزيزة غ

لم أختبر الغربة في حياتي وحسب، بل أصبحت رفيقتي الدائمة، الغربة التي تتنزه في داخلي، وأفعل الأمر نفسه في داخلها. أنظر لكلّ شيء حولي بازدراء، كلّ شيء أصبح باهتًا في عيني. أتوجس من تمدد هذه الأيّام، في كلّ مرّة، بالشجن ذاته، الوحدة ذاتها، ومع كل غسق، تعيد تشكيل نفسها؛ لتنبثق لاحقا بإشراقة تهكّميّة، وحال بزوغها يقولُ: أنا الإشراقة المخلصة الوحيدة في حياتك، التي لن تنطفئ. أبدًا.

حاولت الانسلاخ كثيرًا من ذاتي الجديدة، غير أنّ الأمر لم يعد مجرد شربة ماء، ولست طفلة متّسخة، تبدّل ثيابها؛ لإصلاح الأمر. ولا زلت في كلّ لحظة أتساءل:

“فهل ترجعُ الدارُ بعد البُعد آنسةً

وهل تعود لنا أيّامُنا الأُوَلُ؟”

رغم يقيني بالإجابة، أرجو أن تعود كلّ الأشياء مألوفة، وألّا تتوشح بالغربة أكثر.

وبالرغم من أنّ هذه الغربة لا تكف عن التكاثر في صدري، فأنا أردد على نحوٍ مستمر ما قاله محمود درويش:

“أدرّب قلبي على الحب، كي يسعَ الوردَ والشّوك”.

فأنت يا “غ” الشوك الذي يؤلمني، واستحسان النّاس وشعورهم اللطيف نحوي، ليس إلّا تدريبًا لقلبي على الحبّ والمحبّة واحتواء الورد، وهذا مما يهوّن مساوئ الحياة، ويقلل من وطأتها المريرة على قلبي، غير أنّني الآن لست قادرة على فعل أي شيء، سوى الامتنان والتقدير، أقدّر هذا الشعور الأنقى، وأدعو الله أن لا يخبو، ويبقى في حياتي.

رفيقتك الوفيّة

نشرت تحت تصنيف رسائل

رسالة إلى مجهول

إلى العزيز الذي لا أعرف،
اسمح لي أن أبدأ رسالتي بمقطعٍ من أغنية جوليا بطرس “يومًا ما”:
“بكرة بيخلص هالكابوس
وبدل الشّمس بتضوي شموس
وعلى أرض الوطن المحروس
راح نتلاقى يومًا ما”

كم تبدو الحياة مرعبة، أن يتوق المرء إلى شخصٍ مجهول، يشعر تجاهه بالحبّ والشوق، ويؤمن أنّه سوف يلتقي به ذات يوم. الحاجة الغريبة إلى كائنٍ ما، في نفس المحيط، يكتب له الإنسان، ويتحدث معه ويشاركه أبسط التفاصيل، دون أن يعرف أحدهما الآخر، دون أن تشتعل جذوة الفضول داخل قلبيهما، ومن دون توقعات أو أحكام مسبقة. فقط لأنّ لحظة واحدة من الفضفضة فارقة، لحظة التخفف من ثقل الذاكرة، والثرثرة، قادرة على خلق المعجزات كما تفعل القنابل. لأنّ الرّوح تعِبة، معطوبة، ومحتشدة بشظايا الزّمن، والفجائع اللانهائية؛ يحتاج المرء إلى كائنٍ مجهول.

أدرك جيّدًا الصراعات التي نخوضها جميعنا مع أنفسنا، مع المحيط، ومع أشياءٍ مجهولة. لأنّني جزء من هذا الكون، أتأثّر بما يحصل فيه رغمًا عنّي، وعن المسافات الشاسعة، نحن نتأثر بما يحصل للآخرين، لأنّنا كتلة واحدة، وكينونة جميع أجزائها متّصلة ببعضها البعض، لأنّك أنا، ولأنّني أنت، لأنّنا من الطبيعة الأم، والطبيعة من الله، ونحن بطريقةٍ ما، منه وإليه.

تبدو الحياةُ مرعبة أكثر أثناء هذه الأزمة، أزمة كورونا، التي لا تنفك في كل يومٍ عن إثبات أنّ الموت هو الحقيقة التي اتّفق عليها الجميع. وأنّنا جميعًا لسنا سوى كائنات هشّة. كورونا، الكائن الصغير الذي صيّر العالم إلى معاناةٍ مشتركة، ومأساة واحدة. الإصابات التي لا تتضاءل، والإعلان عنها أضحى بمثابة مزاد عالمي، نستيقظ على سؤال: “كم وصل عدد الإصابات اليوم؟”، ونمسي على أملِ تلاشي هذه الغمامة. الحجر المنزلي، يتمدد إلى أجلٍ مجهول، واتّصالي بالطبيعة يتضاءل، شيئًا فشيئًا، الطبيعة الأم التي تحتويني وتمدّني بالطاقة، وتعيد لي انتعاش الحياة، الذي أفتقده الآن على نحوٍ كثيف جدًا.

رغم كلّ شيء، أراقب المشهد بهدوء شديد، وأرى الهلع يلمع في وجه الكون، أرى الندوب التي تتكاثر في جبينه، وهذه الندبة، ندبة كورونا المحفورة في صدره، ليست إلّا وشمًا، لن يمحى من الذاكرة، إطلاقًا. لكنّني أؤمن أنّ الأقدار القادمة ستكون خيرًا، وطالما أنّ الموت هو النهاية لهذه الرّوح الرقيقة، فإني لا آخذ الحياة بجديّة مفرطة، وأحمّل المشهد ما لا يحتمل. سوف أضحك، وألعب، وألهو، وأرقص، وألقي النكات، وأكتب القصائد والرسائل، وأقرأ كتبًا كثيرة وروايات، وأقبّل أفراد عائلتي وأعانقهم كما لم أفعل من قبل، وألمع وأتوهج، على عكس ما تقتضي هذه الحياة. سوف أقتفي الضّوء، أينما وجد، وأحشره في قلبي، وألوّن به وجهي؛ لأبقى مشرقة، إلى الأبد. ولو أنّ الله منحني أيّامًا أخرى، سوف أسأله أن يمنحني روحًا خفيفة مثل عصفورة، وألّا أكف عن كوني مرحة.

الخميس
26 مارس 2020.

نشرت تحت تصنيف فضفضة ليلية

حزينةٌ بما يكفي

حزينة بما يكفي لأرتدي وجهًا آخر. وجهي المتعب، الطافح بالألم والخيبة.

حزينة بما يكفي لأتوقف عن الكفاح والمقاومة. وأستمر في البكاء والهطول الدمعي الغزير، دون توقف.

حزينة بما يكفي لأرى الحياة تدهس أحلامي، وتلقي بها على الأرصفة، وأنا أجوب الشوارع بحثًا عن حلم واحد يمدّني بالحياة، ولا أجد.

حزينة بما يكفي لأشرع النافذة للشمس، حيث تتكسّر رؤاي بين ارتعاش الضوء، وانكسارات الظلال.

حزينة بما يكفي لأسمع وقع الكلمات/كلماتهم حين تدوي في قلبي الفارغ والمجوف.

حزينة بما يكفي، لكنني أستطيع أن أمد من حزني بهجة لمدينة محتشدة بالحزانى. وأقنع أكثر النّاس بؤسًا أنّ الحياة تستحق أن تعاش.

حزينة بما يكفي لأعبّر عن هذا الحزن، بلغة شفيفة. لغة الشجن واللوعة والوجع.

ورغم أنني حزينة بما يكفي، إلّا أنني قوية بما يكفي لأحمل هذا الثقل، في هذه الكينونة الرقيقة، دائمًا، وأبدًا. وأكمل الحياة.

نشرت تحت تصنيف رسائل

إلى جواهر ..

العزيزة جواهر،

تحيّة، أو دون رسميات.

رغم أنّ كلامي “البلسم واجد” يلفظ أنفاسه الأخيرة، لكنّني لسببٍ أجهله أودّ الردّ عليك.

شاهدتُ اليوم فيلمًا عن الشّعر، والتقطت اقتباسا منه: “الشّعرُ هو ذريعة للحياة”. هذا عزاء رقيق بالنسبة إلى شاعرٍ، أو متذوق ذو شعور جارف. لكن ماذا عنكِ، هل الكتابة هي ذريعتك للحياة؟ كونك كاتبة عذبة ومرهفة!

ما الذي يجعل جواهر تحبّ الحياة وتتمسك بها، ما هو الشيء الذي ستجعلين منه ذريعة لأجل البقاء؟ الحُبّ؟ الدهشة؟ الجمال، المعرفة، الموسيقا، الكتب، وجهك الطفولي الذي أشتاقه، أم الرّوح؟

الرّوح التي لم نجد لها إجابات شافية تروي ظمأ الشّك، وتسدّ جوع المعرفة والفضول؟

لا أخفيك، أشعر أنّ الجو العام كئيب، وأشعر بأنّك تشاطريني الشعور ذاته، لكنّني أجزم بضرورة وجود هذه الكآبة في حياة المرء؛ ليشتاق إلى السّلام والطمأنينة والحياة الملوّنة.

الحياة لن تشرق في كلّ يوم بالتفاصيل ذاتها، والأشياء كما هي، ووجه الكون لن يضحي وضّاءً كما في الليلة السابقة. كلّ جزء من الوجود يتجدد في كلّ لحظة، ونحن كذلك!

نحن، أنا وأنت وهم، يعيد الكون تشكيلنا، مثل عجينة صلصال، يهرسنا، ويقسو في العجن، بأقصى ما يمكن، لنحظى بالنسخة الأجمل منّا.

لا بدّ للمرء أن يجرّب الاحتراق؛ ليتوهج ويضيء بما يكفي؛ لتبديد عتمة الطريق غير المرئي، ويكمل المسير، كما تقتضي الأيّام، حتّى يغدو كلّ شيء مرئيًا وواضحًا ولامعًا.

من لا يحترق في الحياةِ يا جواهر، سيموت شاحبًا، دون ضوء، دون بريق، ودون أثر.

كوني متلألئة، دائمًا، مثل اسمك!

أحبّكِ يا صغيرتي الملائكية.

الأربعاء

2020/4/1 م